سورة العلق - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديداً له وتحذيراً من عاقبة الطغيان.
المسألة الثانية: {الرجعى} المرجع والرجوع وهي بأجمعها مصادر، يقال: رجع إليه رجوعاً ومرجعاً ورجعى على وزن فعلى، وفي معنى الآية وجهان:
أحدهما: أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه، ونظيره قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا} إلى قوله: {إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} [إبراهيم: 42] وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل والقول الثاني: أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت، كما رده من النقصان إلى الكمال، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذل إلى العز، فما هذا التعزز والقوة.
المسألة الثالثة: روي أن أبا جهل قال للرسول عليه الصلاة والسلام: أتزعم أن من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة ذهباً وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى، فندع دينناً ونتبع دينك، فنزل جبريل وقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم مثل ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إبقاء عليهم.


{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روي عن أبي جهل لعنه الله أنه قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال: فوالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن عنقه، ثم إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنكص على عقبيه، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً شديداً.
وعن الحسن أن أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة.
واعلم أن ظاهر الآية أن المراد في هذه الآية هو الإنسان المتقدم ذكره، فلذلك قالوا: إنه ورد في أبي جهل، وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي، ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل، ثم يعم في الكل، لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه.
المسألة الثانية: قوله: {أَرَأَيْتَ} خطاب مع الرسول على سبيل التعجب، ووجه التعجب فيه أمور أحدها: أنه عليه السلام قال: «اللهم أعز الإسلام إما بأبي جهل بن هشام أو بعمر»، فكأنه تعالى قال له: كنت تظن أنه يعز به الإسلام، أمثله يعز به الإسلام، وهو: ينهى عبداً إذا صلى.
وثانيها: أنه كان يلقب بأبي الحكم، فكأنه تعالى يقول: كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان!.
وثالثها: أن ذلك الأحمق يأمر وينهى، ويعتقد أنه يجب على الغير طاعته، مع أنه ليس بخالق ولا رب، ثم إنه ينهى عن طاعة الرب والخالق، ألا يكون هذا غاية الحماقة.
المسألة الثالثة: قال: {ينهى عَبْداً} ولم يقل: ينهاك، وفيه فوائد أحدها: أن التنكير في عبداً يدل على كونه كاملاً في العبودية، كأنه يقول: إنه عبد لا يفي العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه في عبوديته يروى: في هذا المعنى أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته فقال: أخبرني عن أخلاق رسولكم، فقال عمر: اطلبه من بلال فهو أعلم به مني. ثم إن بلالاً دله على فاطمة ثم فاطمة دلته على علي عليه السلام، فلما سأل علياً عنه قال: صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه، فقال الرجل: هذا لا يتيسر لي، فقال علي: عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله على قلته حيث قال: {قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ} [النساء: 77] فكيف أصف أخلاق النبي وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فكأنه تعالى قال: ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عين الجهل والحمق.
وثانيها: أن هذا أبلغ في الذم لأن المعنى أن هذا دأبه وعادته فينهى كل من يرى.
وثالثها: أن هذا تخويف لكل من نهى عن الصلاة، روى عن علي عليه السلام أنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد، فقال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقيل له: ألا تنهاهم؟ فقال: أخشى أن أدخل تحت قوله: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى} فلم يصرح بالنهي عن الصلاة، وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حيث قال له أبو يوسف: أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع: اللهم اغفر لي؟ قال: يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي.
ورابعها: أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي لا أجد ساجداً غيره، إن محمد عبد واحد، ولي من الملائكة المقربين مالا يحصيهم إلا أنا وهم دائماً في الصلاة والتسبيح.
وخامسها: أنه تفخيم لشأن النبي عليه السلام يقول: إنه مع التنكير معرف، نظيره الكناية في سورة القدر حملت على القرآن ولم يسبق له ذكر.
{أسرى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] {أَنْزَلَ على عَبْدِهِ} [الكهف: 1] {وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عبدُ الله} [الجن: 19].


{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {أَرَأَيْتَ} خطاب لمن؟ فيه وجهان الأول: أنه خطاب للنبي عليه السلام، والدليل عليه أن الأول وهو قوله: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً} للنبي صلى الله عليه وسلم والثالث وهو قوله: {أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى} [العلق: 13] للنبي عليه الصلاة والسلام فلو جعلنا الوسط لغير النبي لخرج الكلام عن النظم الحسن، يقول الله تعالى يا محمد: أرأيت إن كان هذا الكافر، ولم يقل: لو كان إشارة إلى المستقبل كأنه يقول: أرأيت إن صار على الهدى، واشتغل بأمر نفسه، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة، فلو اختار الدين والهدى والأمر بالتقوى، أما كان ذلك خيراً له من الكفر بالله والنهي عن خدمته وطاعته، كأنه تعالى يقول: تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العالية وقنع بالمراتب الدنيئة.
القول الثاني: أنه خطاب للكافر، لأن الله تعالى كالمشاهد للظالم والمظلوم، وكالمولى الذي قام بين يديه عبدان، وكالحاكم الذي حضر عنده المدعي، والمدعى عليه فخاطب هذا مرة، وهذا مرة.
فلما قال للنبي: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى} [العلق: 9] التفت بعد ذلك إلى الكافر، فقال: أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله أمراً بالتقوى أتنهاه مع ذلك.
المسألة الثانية: هاهنا سؤال وهو أن المذكور في أول الآية. هو الصلاة وهو قوله: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى} والمذكور هاهنا أمران، وهو قوله: {أَرَءيْتَ إِن كَانَ على الهدى} في فعل الصلاة، فلم ضم إليه شيئاً ثانياً، وهو قوله: {أَوْ أَمَرَ بالتقوى}؟ جوابه: من وجوه:
أحدها: أن الذي شق على أبي جهل من أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هو هذان الأمران الصلاة والدعاء إلى الله، فلا جرم ذكرهما هاهنا.
وثانيها: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد إلا في أحد أمرين، إما في إصلاح نفسه، وذلك بفعل الصلاة أو في إصلاح غيره، وذلك بالأمر بالتقوى.
وثالثها: أنه عليه السلام كان في صلاته على الهدى وآمراً بالتقوى، لأن كل من رآه وهو في الصلاة كان يرق قلبه. فيميل إلى الإيمان، فكان فعل الصلاة دعوة بلسان الفعل، وهو أقوى من الدعوة بلسان القول.

1 | 2 | 3 | 4 | 5